سورة الجن - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجن)


        


{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)}
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} المقاعد جمع مقعد، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحداً فوق واحد، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها، ثم يزيد الكهان للكلمة مائة كذبة، {فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} الرصد اسم جمع للراصد، كالحراس للحارس وقال ابن عطية: هو مصدر وصف به ومعناه منتظر، قال بعضهم: إن رمي الجن بالنجوم إنما حدث بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، واختار ابن عطية والزمخشري أنه كان قبل المبعث قليلاً، ثم زاد بعد المبعث وكثر حتى منع الجن من استراق السمع بالكلية، والدليل أنه كان قبل المبعث «قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد رأى كوكباً انقض: ما كنتم تقولون لهذا في الجاهلية؟ قالوا: كنا نقول ولد ملك أو مات ملك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الأمر كذلك، ثم وصف استراق الجن للسمع، وقد ذكر شعراء الجاهلية ذلك في أشعارهم».


{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)}
{وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض} الآية: قال ابن عطية: معناه لا ندري أيومن الناس بهذا النبي صلى فيرشدوا، أو يكفرون به فينزل بهم الشر؟ وقال الزمخشري: معناه لا ندري هل أراد الله بأهل الأرض خيراً أو شراً من عذاب أو رحمة من خذلان أو من توفيق؟ {وَأَنَّا مِنَّا الصالحون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي منا قوم دون ذلك فحذف الموصوف وأراد به الذين ليس صلاحهم كاملاً، أو الذين ليس لهم صلاح، فإن دون تكون بمعنى أقل أو بمعنى غير {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} الطرائق: المذاهب والسير وشبهها، والقدد المختلفة وهو جمع قدة. وهذا بيان للقسمة المذكورة قبل، وهو على حذف مضاف إي كنا ذوي طرائق {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض} الظن هنا بمعنى العلم، وقال ابن عطية: هذا إخبار منهم عن حالهم بعد إيمانهم، ويحتمل أن يكونوا اعتقدوا هذا الاعتقاد قبل إسلامهم {سَمِعْنَا الهدى} يعنون القرآن {فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} البخص النقص والظلم، والرهق تحمل ما لا يطاق، وقال ابن عباس: البخص نقص الحسنات، والرهق الزيادة في السيئات.


{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)}
{وَمِنَّا القاسطون} يعني الضالمين، يقال قسط الرجل إذا جار، وأقسط بالألف إذا عدل.
هاهنا انتهى ما حكاه الله من كلام الجن، وأما قوله: {فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً} يحتمل أن يكون من بقية كلامهم. أو يكون ابتداء كلام الله تعالى وهو الذي اختاره ابن عطية، وأما قوله: {وَأَلَّوِ استقاموا} فهو من كلام الله باتفاق وليس من كلامهم.
{تَحَرَّوْاْ} أي قصدوا الرشد {وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} الماء الغدق الكثير وذلك استعارة في توسيع الرزق، والطريقة هي طريقة الإسلام وطاعة الله، فالمعنى لو استقاموا على ذلك لوسع الله أرزاقهم فهو كقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} [الأعراف: 96] وقيلأ: هي طريقة الكفر، والمعنى على هذا: لو استقاموا على الكفر لوسع الله عليهم في الدنيا أملاكهم استدراجاً، ويؤيد هذا قوله: {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} والأول أظهر، والضمير في {استقاموا} يحتمل أن يكون للمسلمين أو القاسطين المذكورين، أو لجميع الجن أو للجن الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم أو لجميع الخلق {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} إن كانت الطريقة الإيمان والطاعة، فمعنى الفتنة الاختبار هل يسلمون أم لا؟ وإن كانت الطريقة الكفر فمعنى الفتنة الإضلال والاستدراج {يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} معنى نسلكه ندخله والصعد الشديد المشقة، وهو مصدر صعد يصعد، ووصف بالمصدر للمبالغة يقال: فلان في صعد أي في مشقة. وقيل: صعداً جبل في النار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5